الأنشطة

  • قام مصطفى عبد المنعم إسماعيل بتحديث النشر منذ 20 hours, 45 minutes

    منشور طويل مهم بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية ولو متأخرًا
    قرأتُ من قريب منشورًا للدكتور محمد مصطفى الكنز يتحدث فيه عن الجهد الجهيد الذي يعانيه معلم العربية في زماننا مع طلابه؛ لأنه يُطلَب منه الآن ما لم يكن يُطلَب قديمًا، وهو أن يعرّب عقول طلابه قبل أن يعلمهم قواعد العربية؛ لأنهم دائمًا غير مهتمين بالعربية اليوم ولا تعلمها ويسألون: لماذا نتعلمها؟ وفيمَ ستفيدنا؟ بالنسبة لهم تعلمها لا يجيبهم عن أي سؤال حضاري!!
    وهذا مع إقراري به مستغرب جدًّا؛ لأن الإنسان لا يسأل نفسه: لماذا خلق الله لي عقلًا؟ لأن إجابته إنسانية فطرية من مهمات وضروريات المعارف، وهي أن الله خلق لنا عقولًا لكي نفكر بها، وألسنة لكي ننطق ونتذوق بها، وقِسْ على بقية الجوارح والفطريات، فكيف يسأل نفسه والمتخصصين في العربية: لماذا نتعلم العربية وبِمَ تفيدنا؟ لأن الإجابة إنسانية فطرية متبادرة إلى الذهن بالضرورة، وهي: لأننا عرب!!
    وأي إجابة أخرى عن هذا السؤال البدهي الفطري مهما كانت مُزوَّقة ومرتّبة وتبدو فخمة ومنطقية وذكية تُناقِض سؤال الهوية تناقضًا ما، كأن سؤال: لماذا نتعلم العربية؟ إن لم يكن له إجابة متخصصة مفصّلة ذكية منطقية مرتبطة بسوق العمل، فإن إجابته بمنطق الهوية العربية لا يكفي! كأنك تقول: أنا عربي، ورغم كوني عربيًّا فلا يهم أن أكون عارفًا باللغة العربية، وكما ترون فهذا منطق أعوج جدًّا، بل هو منطق عبثي لا يمكن فهمه في أي سياق.
    وإن تعجبوا من السائل هذا السؤال العجيب، فمن عَجَب -للأسف الأسيف- ينساق كثير من المتخصصين في العربية وراء سائلي هذا السؤال العبثي المتناقض العجيب فيظلون يفصّلون لهم ما أهمية تعلم العربية في حق العربي!!
    وهذا مفهوم لو كان في حق غير العربي أو كان إجابة للعربي المحب الذي يريد أن ينهل أكثر من نهر العربي الجاري، لا العربي الكاره للغته أو الظان بها ظن السوء: أنها لا تعبر عن هويته أصلًا!!
    ثم بعد هذا يجب دفع الظن الخاطئ أننا نريد من كل العرب أن يكونوا متخصصين في العربية وأن يكونوا عارفين مُلِمِّين بكل قواعدها، وليس هذا صحيحًا، بل ينبغي أن يفهم كل عربي أن في رقبته واجبات لا تتم إلا بتعلم العربية تعلُّمًا ما، وأنت جالس في خطبة الجمعة وسمعتَ الخطيب مثلًا يقول: “والسنة تُجبِرُ فهمنا الخاطئ لما في كتاب الله” قد تُدرِك أو لا تُدرِك أنه أخطأ لغويًّا حين قال: (تُجبِر) بدل (تَجبُر)، لكنك تعي المعنى الذي يقصده الخطيب، فقد يستدل علينا إنسان بأن تعلم قواعد العربية ليس مهمًّا؛ لأننا نفهم المتكلم العربي حتى لو أخطأ لغويًّا، وهذا صائب بنسبة.
    كلنا اليوم في خطب الجمعة نتثاءب ولا نركز مع كلام الخطباء ونمل ونحس بخلل كبير في خطب الجمعة، لكن أكثرنا لا يدرك أن الخلل يتأتى من الخطأ اللغوي الذي نهوّن من شأنه، كيف؟ الخطأ اللغوي حتى لو كنا مدركين معه للمعنى المقصود، فإنه يكسر إيقاع الكلام، وهذا الكسر عرفه من عرفه وجهله من جهله هو الذي يجعلك تتثاءب وتمل ولا تركز في خطب الجمعة، وهو في حق الجالس في خطبة الجمعة المتخصص في العربية أشد وأوجع، وهذا مثل الذي يروونه عن بعض الأعراب حين كان جالسًا يستمع لخطبة أحد أمراء بني أمية فأخطأ لغويًّا، فتأوّه الأعرابي بصوت مسموع لآخر القصة.
    والأمر يشبه لو أن مغنيًا اعتلى خشبة مسرح ما وهو لا يحسن الغناء، أو كان عنده عيوب في طبقات صوتية معينة، فإن الحضور سيشمئزون حين يحاول أن يأتي بهذه الطبقات الصوتية فيسبب كما يقولون (نشازًا)، فتشمئز الآذان والنفوس، وتنصرف عنه، أليس كذلكم؟
    فقل لي إن كنتَ من سائلي هذا السؤال العجيب المتناقض: لماذا نتعلم العربية وفِيمَ تفيدنا؟ كيف ستفهم كلام ربك وكلام نبيك صلى الله عليه وسلم، بل كيف ستتواصل مع الناس بفاعلية، وفرق بين أن تتواصل مطلقًا وبين أن تتواصل بفاعلية، كيف وكيف وألف كيف، بل كيف تكون عربيًّا إن لم تعتقد اعتقادًا يقينيًّا أنك يجب أن تتعلم العربية وأن تحب العربية؟!
    وأضرب مثالًا قرآنيًّا واحدًا: في قول ربنا في أقصر سورة في القرآن سورة الكوثر: [إنا أعطيناك الكوثر فصلِّ لربك وانحر] كيف تفهم قيمة ومعنى وأهمية الالتفات في قوله: (لربك) بعد أن قال: (أعطيناك) فلم يقل: فصلِّ لي؟
    بل خارج الإطار الديني كيف تفهم عن الناس مراداتهم جيدًا، وأضرب مثالًا بنفسي لا إعجابًا بها، لكن تبيينًا لما نحن فيه، كنت حين أجلس إلى أي طبقة من طبقات المجتمع وهم يتحدثون -وقد لاحظتُ هذا الأمر يتكرر مني كثيرًا- فأجد بعضهم يقول معترضًا أو مستفهِمًا: (لا أفهمك، أَعِدْ مرة أخرى)، فأجدني بداهة أبادر فأقول: يعني يريد أن يقول لك: كذا وكذا. فيسكت الذي كان يتكلم مصدِّقًا لما عبّرتُ عن مراده بأحسن مما عبّر به، ثم يعود الحديث سَلِسًا، وهذه قيمة تعلم لغتك التي تمثل هويتك إن كنتَ سائلًا عنها؛ أنك تُحسِن التواصل مع الناس بفاعلية وتفهم مراداتهم من الكلام، حتى لو أساؤوا التعبير عنها أحيانًا.
    #اليوم_العالمي_للغة_العربية

مقر الاتحاد الدولي للغة العربية

تواصل معنا

الاتحاد الدولي للغة العربية

arArabic